لا شماتة في الموت خصوصا موت الرئيس سليم الحص
الكل في لبنان – داخل الطبقة السياسية التمساحية – ينتحب ويتباكى اليوم على فقدان “ضمير لبنان” المزعوم الدكتور سليم الحص، رئيس الحكومة الأولى في عهد العماد آميل لحود.والكل في هذه الطبقة السياسية التمساحية يدرك تماما، ومنهم من كان شاهد عيان من داخل الحكومة أو داخل السراي أو داخل القصر الجمهوري، أن الرئيس سليم الحص أنهى حياته السياسية وهو شاهد زور على كل الخطايا والموبقات والكبائر والفواحش والرذائل والمنكرات والجرائم ونكران الضمير والظلم التي حصلت في عهد الحكومة الأولى للرئيس آميل لحود.
بل إنه كان الذراع التنفيذي الذي ينفذ صاغراً و”على العمياني” ودون نقاش رغبات وأوامر وتعليمات الرئيس لحود التي قوضت دولة القانون والمؤسسات.لقد تحول الرئيس سليم الحص خلال فترة ترؤسه للحكومة الأولى للرئيس آميل لحود (١٩٩٨- ٢٠٠٠) إلى “ممسحة” أو إلى “منشفة” عند الرئيس آميل لحود وعند الوزير ميشال المر وعند الوزير سليمان فرنجية وعند الوزير عصام نعمان وعند المستشار عماد جودية وعند المستشارة جينا شماس وعند طواقم كثيرة من الضباط والأمنيين والمخابراتيين اللبنانيين والسوريين وعند الخبير شربل نحاس وعند الخبير مكرم صادر وعند العديد العديد من “المواطنين الصالحين” الذين كان يحركهم ويتحرك بهم الوزير المدعي العام عدنان عضوم أو الوزير الخشبي المحنط حسن شلق، كل ذلك بهدف التنكيل بهم تشويهاً وملاحقةً وتوقيفاً وسجناً وانتقاماً وكيديةً. أو حتى الوصول إلى مرحلة القتل عمداً كما حصل لمدير عام العدلية النبيل والراقي والنزيه الدكتور وجيه خاطر، الذي قضى بنوبةٍ قلبيةٍ لحظةوضعه بالتصرف. رحمة الله عليه.في هذه الفترة، استل الرئيس سليم الحص سيف الظلم والحقد والكراهية والكيدية والانتقام، ووضع على عينيه نظارات سوداء سميكة، وصم أذنيه عن صوت الحق، وراح يضرب “على العمياني” يمنة ويسرة رؤوس المدراء العامين، قاطعاً عن سابق تصور وتصميم مسيراتهم وسمعتهم وكراماتهم وأرزاقهم. عساه يصل إلى تحقيق هدفٍ دفينٍ كامنٍ في أعماقه : الإنتقام من دولة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتشويه سمعته ومشروعه في إعادة إعمار وإنماء لبنان.
لقد رحل الرئيس سليم الحص عن هذه الدنيا وهو يقبض على خطيئة كبرى، لم يبرئ منها ضميره وهو الذي يزعم أنه “ضمير لبنان”، ارتكبها بحق المدراء العامين (مع حفظ الألقاب) وبحق عائلاتهم وأهلهم وزوجاتهم وأبنائهم وبناتهم :
وجيه خاطر
عبد المنعم يوسف
إيلي عساف
الياس مطلي
غسان عاصي
عمر البنداق
رياض عبد الله
نقولا نصر
نقولا سابا
مهيب عيتاني
يوسف النقيب
عماد النوام
محمد عبيد
محمد علي الرفاعي وآخرين كثر.
للذين لا يعجبهم هذا الكلام أقول لهم ببساطة : انظروا إلى كتاب الرئيس الحص نفسه “للحقيقة والتاريخ : تجارب الحكم ما بين ١٩٩٨ و ٢٠٠٠”، منشورات شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، طبعة عام ٢٠٠١؛ لا سيما الصفحات المئة الأولى.
وسترون الفضائح الذي لم يستحِ عن ذكرها.للأسف الشديد، إن حب السلطة وشبق السياسة العمياء جعل من الرئيس سليم الحص في آخر حياته السياسية مثالا ملموسا للآية الكريمة :”كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا” (النحل ٩٢).
فتنكر لكل القيم والمبادئ والأخلاق التي يقوم عليها الحكم الرشيد والحوكمة النزيهة.فكان أن عاقبه الله في حياته :”ومن نعمره ننكسه في الخلق. أفلا يعقلون ؟”.
(سورة يس، ٦٨).شخصيا، التقيتُ، بطلبٍ مني، بالرئيس سليم الحص في بداية عام ٢٠٠١ في منزله، وذلك بعد خروجي من السجن بعد توقيفي احتياطيا بموافقته لمدة ١١ شهرا ونصف الشهر، وبعد إحالتي بقرارٍ منه على الهيئة العليا لتأديب الموظفين، وبعد أن أعطى إذناً يسمَحَ للقاصي والداني أن يقيم بوجهي دعاوى جزائية وإدارية ومالية وأنا في السجن، حتى بلغت ١٦٧ دعوى خرجتُ منها كلها بريئاً، دون استثناء.وكان لقائي به لهدفٍ واحد : أن أبلغه رسالةً شفهيةً من زوجتي وبناتي الثلاثة (١١ سنة و١٠ سنوات و٥ سنوات في حينه).
وهذه الرسالة كانت : “ألله لا يسامحك، لا في الدنيا، ولا في الآخرة”.زوجتي وبناتي الثلاثة بعد كل هذه السنوات، ما زلن يحملن في أعماقهن للرئيس سليم الحص ذات الرسالة.وهذه الرسالة ليست شماتة، بل موعد متجدد.وللتفاصيل تتمة بإذن الله تعالى.