أحمد الأيوبي

تُعتبر العشائر العربية في لبنان المكوّن السنّي الأكبر غير الحزبي على امتداد الوطن، فهي تمتدّ عميقاً في قلب التاريخ وتنتشر جغرافياً من الحدود الجنوبية، حيث شكّلت دائماً عصب مقاومة لا يهدأ ضد العدو الإسرائيلي وقدّمت الشهداء، وتترسخ في عكار وتنبض في البقاع وتتفاعل في بيروت والجبل وتؤثِّر في كامل المشهد اللبناني سياسياً ودينياً وإعلامياً وسيادياً ووطنياً، ولهذه الاعتبارات كان للقائها مع الشيخ بهاء الحريري أهمية خاصة، سواء من حيث الشكل أو المقاربات أو النتائج.

جاء لقاء وفد العشائر العربية بالشيخ بهاء الحريري في لحظة سياسية يتعرّض فيها نجل رفيق الحريري لحملة شعواء هدفها إفشال حركته السياسية، بينما قرّرت العشائر تشكيل وفد مثّلها من جميع المناطق اللبنانية ليكون لقاء بحثٍ في الشراكة على المستوى الإسلامي والوطني، وفي التكامل لتحصين المجتمع من كلّ الأخطار التي تحدق به، فكانت رسائل هامة ناتجة عن هذا اللقاء لا بدّ من التوقف عندها.

لا بُدّ من التذكير هنا بأنّ ما تعرّضت له عشائر خلدة شكّل امتحاناً لعلاقة القوى السياسية بالعشائر، وخاصة بعد المظلومية التي تعرّضت لها وتخلي تيار المستقبل عن شبابها منذ واقعة استشهاد الفتى المظلوم حسن غصن، مع ما رافقها من تداعيات سياسية وقانونية.

رفعت العشائر شعار الكرامة ورفض التخلي عن ولاية الدم، وأثبتت لكلّ من تنازل أنّه بالإمكان الصمود عندما يكون الحق في جانبها والصمود على الموقف مهما كانت الضغوط، وهذا لم يُعجب البعض، وخاصة الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري.
حفظت العشائر للرئيس سعد الحريري أنّه امتنع عن التعزية بالشهيد حسن غصن، بينما قام هو شخصياً بتعزية الأمير طلال أرسلان بأحد مسؤولي حزبه، وكانت آخر سيارة في موكب الحريري تقف عند باب السيد زاهر والد الشهيد حسن غصن! وهذا أنتج رفضاً من أغلب وجوه العشائر للتعامل معه، وانعكس امتناعاَ من (أبو موسى) والد الشهيد غصن عن لقاء الرئيس الحريري في زيارته الأخيرة إلى لبنان، رغم العروض المتكرِّرة.
كان أبو موسى في مقدمة وفد العشائر الذي التقى الشيخ بهاء الحريري مع مشايخها ووجوهها، وكان لافتاً أنّ أبو موسى ألبس عباءته للشيخ بهاء، في رسالة لا تخفى دلالاتها على أحد في السياسة والاجتماع والإعلام.

شكّل التمثيل الجامع للعشائر في الوفد الذي التقى الشيخ بهاء الحريري أحد عناصر القوة لهذا اللقاء، خاصة أنّ الوجهاء أبلغوه بالاستعداد للتعاون والشراكة بناءً على ما يعلمونه وما يعلنه الشيخ بهاء من ثوابت إسلامية ووطنية، وهذا سيكون له نتائج هامة إذا تكاملت جهود الجميع، سواء في السياسة أو في الإنماء.
الرسالة الأخرى الهامة التي برزت من هذا اللقاء أنّ الوفد طلب من الشيخ بهاء الحريري تعزيز العلاقة مع دار الفتوي وشخص سماحة مفتي جمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان وأنّ بناء شراكة ثابتة ومتينة وناجحة مع العشائر ينبغي أن تـُبنى على ثوابت دار الفتوى وبالتنسيق مع شخص المفتي دريان، وبالانفتاح والتكامل مع المشروع العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، حتى يكتب له النجاح وتتحقق المصلحة العامة والأهداف المنشودة للجميع.
تفاصيل اللقاء
اعتبر وفد العشائر العربية خلال لقائه الشيخ بهاء الحريري أنّ النهجَ السياسيَ الذي كرّسهُ الرئيس الشهيد رفيق الحريري ما زال متجذراً في وجدانِ اللبنانيين، معربين عن وفائهم لنهجِ الرئيس الشهيد وثباتهم عليه، واكد الوفد خلال اللقاء على التزامِهم الإسلامي والوطني والعربي بلبنان وبثوابت دار الفتوى الوطنية، وبما يتفق مع الدستورِ اللبناني، مشددين على ان التزامهم بمشروع الدولة الوطنية العادلة الجامعة الضامنة لحقوقِ المواطنين ، وبالحفاظ على هويةِ لبنان العربية والعمل على إعادة لبنان الوطن وإدخالِه وتثبيتِه وانخراطِه ضمن إطار نظامِ المصلحة العربية الذي تقودُه المملكةُ العربيةُ السعودية برؤيةِ الأمير الرؤيوي محمد بن سلمان.
وشرح الوفد الظلم والاستهداف التي تتعرض له العشائر مستذكرين حادثة خلدة، كما اثار الإهمال في الإنماء والمشاريع والبنى التحتية في مناطِقِهم، ومحاولة الغائهم واقصائهم وتغييبهم في المؤسسات السياسية والإدارية والأمنية، والقضائية والدينية وغيرها.
وأعلن الوفد وضع يد العشائر العربية بأيدي الشيخ بهاء من اجل بناء شراكة حقيقية جادة وثابتة، للتأكيد على الامل والقدرة بحمل أمانة الاستمرار بالعمل على نهج الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
كما رأى الوفد ان زيارة الشيخ بهاء ومشروعه الذي يعمل عليه قد يكون الفرصة الأخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وتوجهوا الى الشيخ بهاء بالقول:” لا تدعوا الطارئين والمستنفعين والفاسدين والمفسدين يعرقلون هذه الانطلاقة، ونحن مستعدون لأن نكون الى جانبِكم ضمن المشاركة والمساهمة في مشروعٍ إنقاذيٍ.”
من ناحيته، اكد الشيخ بهاء الحريري الوقوف الى جانب العشائر العربية، باعتبارهم من صلب الدولة اللبنانية وركن أساسي من الطائفة السنية، مبديا استعداده التام للعمل على معالجة مطالبهم.
وفي ختام اللقاء ألبس وفد العشائر الشيخ بهاء الحريري العباءة العربية دليل تقدير واحترام له.
