الشيخ مظهر الحموي
قال رسول الله ﷺ
إذا ضيعت الأمانة فإنتظر الساعة قال :وكيف إضاعتها ؟ قال: إذا وسد الأمر الى غير اهله فانتظر الساعة.
في إحتدام التنافس بين المرشحين للإستحقاق الإنتخابي لعضوية المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى لمدينة طرابلس والشمال ، وبعد تشكيل لائحة محاصصة بين بعض القوى السياسية التي فرضت فيها قرارها بإغتيال آراء الهيئة الناخبة .
ففي ظل هذه التطورات قد يلتبس الحق بالباطل ، ويُقدّم بعض الناس المنفعة على الواجب ، والمصلحة الخاصة على المصلحة العامة ، وبعضهم من ينقاد الى عصبيه وليس الى الحق المبين، وبعضهم من يمثلون أحرار الهيئة الناخبة ولا يستمعون لأحد إلا لأمانتهم الإسلامية.
ولا بد إلا أن يقف عضو الهيئة الناخبة الحريص على إيفاء واجبه وإرتياح ضميره ، مراعياً مواصفات عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى واختصاصه وخاصة في مثل هذا الظرف الدقيق الذي تمر به طائفتنا السنية في لبنان من ترهل وتآكل وتفتت وإضمحلال ومن مصير مظلم مجهول يزحف عليها بكل أخطاره وأعبائه وأثقاله.
لهذا فإننا نتوجه الى كل عضو أمين في الهيئة الناخبة ونقول له : يجب عليك أن تعلم إن صوتك في الإنتخابات أمانة تسأل عنه يوم القيامة وليست هذه الإنتخابات هي كلمة عابرة ، ولا هي بالهينة واللينة ولكنها شهادة عظيمة ، سوف تُسأل عنها : أمام الله، وأمام الأمة وأمام التاريخ.
هذه الشهادة ليست كغيرها من الشهادات .
لأنها شهادة عظيمة يترتب عليها مصير طائفة وهيئة وجودها ، وضمان مستقبلها ، خاصة في مثل هذه الظروف الحالكة التي نمر بها ، فانظر ماذا يجب عليك ان تفعل ، حتى تكون بمنجاة من غضب الله، وذم الناس والتاريخ .
واعلم أن الإسلام قد وجهنا بتوجيهات حكيمة في الشهادة لا بد أن نرعاها.
أمرنا المولى سبحانه بأداء الشهادة ، وأنذرنا بالوعيد الشديد لمن يكتمها فقال تعالى : { ..وَلَا تَكۡتُمُوا۟ ٱلشَّهَـٰادَةَ وَمَن یَكۡتُمۡهَا فَإِنَّهُ ءَاثِمࣱ قَلۡبُهُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِیمࣱ }
وقال سبحانه : { ..وَلَا یَأۡبَ ٱلشُّهَدَاۤءُ إِذَا مَا دُعُوا۟..}
وحذرنا من شهادة الزور، حتى جمعها مع الشرك بالله ، في آية واحدة ، فقال سبحانه:{..فَٱجۡتَنِبُوا۟ ٱلرِّجۡسَ مِنَ ٱلۡأَوۡثَانِ وَٱجۡتَنِبُوا۟ قَوۡلَ ٱلزُّورِ }
ووصف عباد الرحمن أنهم : { ..لَا یَشۡهَدُونَ ٱلزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا۟ بِٱللَّغۡوِ مَرُّوا۟ كِرَامࣰا }
ولم يكتف الإسلام ان يطلب من المسلم أن يجتنب شهادة الزور فحسب ، ولكنه طالبه أيضا أن يتثبت فيما يشهد فيه ، وأن يتحقق ممن يشهد له ، حتى تكون شهادته صحيحة يقول سبحانه وتعالى : { ذَ ٰلِكَ أَدۡنَىٰۤ أَن یَأۡتُوا۟ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجۡهِهَاۤ .. } وقد ورد أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِرَجُلٍ: تَرَى الشَّمْسَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ أو دَعْ.
فإذا شهدت لإنسان بالميزة والقوة والكفاية فيجب عليك أن تعرف شخصيته معرفة دقيقة ، يجب عليك أن تعرف ماضيه وحاضره ، وأن تنظر الى غايته وطريقته ، وأن تطمئن الى أخلاقه وسلوكه والتزامه، عندها تقدم ورجحه وقدمه واشهد له ، وإذا تغير بعد ذلك حسبك ان تقول : { ..وَمَا شَهِدۡنَاۤ إِلَّا بِمَا عَلِمۡنَا وَمَا كُنَّا لِلۡغَیۡبِ حَافِظِینَ }.
أيها الناخب الغيور
اعلم أن دينك يطلب منك : أن تعرف المواصفات والخصائص ، التي تنتخب بها عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى والتي يجب أن تلائم المرحلة الصعبة التي نعيش والمرحلة الأصعب القادمة على هذه الطائفة والتي تزحف علينا بكل أحقادها وأخطارها ومكائدها ، ولا بد لي الا أن اسوق لك الحكمة التي جاء بها القرآن الكريم عن إبنة الشيخ الكبير ، إذ قالت لأبيها {.. یَا أَبَتِ ٱسۡتَأجِرۡهُ إِنَّ خَیۡرَ مَنِ ٱسۡتَأجَرۡتَ ٱلۡقَوِیُّ ٱلۡأَمِینُ } إذا يجب أن تكون هناك القوة والأمانة وانظر أن الله سبحانه وتعالى قدم القوة على الأمانة : وهما أساسان يقوم عليهما صرح كل عمل يسند الى الإنسان.
وقد يكون الرجل عنده أمانة، ولكنه ضعيف الشخصية ، قليل الحيلة والمواهب ، يعجز عن القيام بمهمته المسندة إليه ، هنا ماذا تفعل الأمانة إذا لم تسندها الكفاية والقدرة والموهبة ؟.
ولو اننا نأخذ العبرة من قصة أبي ذر الذي أحبه رسول الله ﷺ لإيمانه وصدقه وجهاده فقال فيه : ما اظلت الخضراء ولا اقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر .
وعندما سأل أبو ذر رسول الله ﷺ أن يوليه عملا فقال له في صراحة : ( يا أبا ذر إنك ضعيف ! وإنها أمانة ، وإنها خزي وندامة يوم القيامة ، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها) .
من هنا ارى انه يجب شرعا إجتماع القوة والأمانة ، والإختصاص والدين في العضو الذي ننتخب ، وقد روي عن عمر انه كان يقول اللهم إني أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة .
وقد جاء عن رسول اللهﷺ : من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً ( أي قلده عملا أو مسؤولية)وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه، فقد خان الله ورسوله.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : “من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً لمودة أو قرابة او لمصلحة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين”
فما احوجك اليوم ايها الناخب الكريم في إستحقاق عضوية المجلس الشرعي هذا وفي غيره أن تحسن إختيار الرجل المناسب في المكان المناسب
ولنتقي الله فيمن نضع فيه ثقتنا ، ومن نسند إليه امرنا ، فإذا أحسنا الإختيار ، عندها تبقى هذه الطائفة السنية وتكون وتستمر وتدافع عن تاريخها ومستقبلها وتحفظ كرامتها ووجودها ، وتشيع السعادة ، ويحلو طعم الحياة وتعود حقوق اهل السنة الى أصحابها ، أما إذا إختلت الموازين والعياذ بالله، وقدمنا من لا يستحق التقديم ، مسايرة لهذا المرجع او ذاك المنصب ، فعندها تتكدر الحياة ، ونستحق كل ما يأتينا من سوء ومن مصير مجهول ومستقبل مظلم وينطبق علينا قول الله عز وجل { أَوَلَمَّاۤ أَصَابَتۡكُم مُّصِیبَةࣱ قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَیۡهَا قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ }
ونذكركم بحديث رسول اللهﷺ إذا ضيعت الأمانة فإنتظر الساعة قال :وكيف إضاعتها ؟ قال: إذا وسد الأمر الى غير اهله فانتظر الساعة .