Mr. Jackson
@mrjackson

لماذا أصبح الحراك النسوي دافعاً لظاهرة “التحرّش الجنسي”

أورنيلا سكر – نداء الوطن

إنطلقت ورشة مجلس شباب نموذج الأمم المتحدة تطوان بالتعاون مع جامعات ومؤسسات تعليمية وجمعيات فاعلة وطنية ودولية في المغرب بالتنسيق مع هيئات تابعة للأمم المتحدة حول برنامج الأمم المتحدة للتنمية المستدامة أي المساواة بين الجنسين. وقد حضرت مجموعة كبيرة من الباحثين العرب والأجانب من جامعات الغرب والدول العربية للحديث عن مشاريع تنموية تعنى بالشباب والعدالة والمساواة. وقد ألقت رئيسة موقع أجيال القرن الـ21 كلمة افتتاحية في المؤتمر حول الحراك النسوي وما يتضمّنه من مضامين راديكالية بحق المرأة من جهة، والإضاءة على الجوانب والأهداف التي حقّقها هذا الحراك على مستوى المساواة إذ كسر جدار الخوف والتجريم اللذين تتعرض لهما النساء في المجتمعات العربية والمستبدة، في مجالات خاصة بوضعية المرأة واستعادة بعض الحقوق المعنوية على الاقل كالمطالبة بحقوق الجنسين والحضانة وحرية الجسد والانفتاح الجنسي الذي أدى إلى كسر جميع الموانع النظرية على الأقل تجاه المرأة. ويتمثل ذلك في التعبير عن قضايا التحرش وسفاح القربى وجرائم القمع والاستغلال والذكورية ومظاهر الثقافة الأبوية البطريركية التي تقوم على تعزيز سلطة الرجل على المرأة واستغلالها في مجالات عديدة.
هذا الحراك أساء من ناحية أخرى، في تصدير أفكار وثقافات جعلت المرأة في موضع التنافس مع الرجل دون البحث في إشكالية الأنثى. وأحد الجوانب التي يعتريها الغموض في دراسات الجنس البشري هو أن الحراك النسوي يصوّر النوع الجنسي على أسس غير موضوعية وراديكالية، ما يجعل المرأة في موضع التراجع والانقلاب على المفاهيم التي يتصدّرها الحراك النسوي في الغرب وهو أن المجال الحقوقي القانوني الذي تطالب به جعلها عنواناً للتساوي مع الرجل وهنا أقصد النموذج الغربي الذي أفرط بإعطاء المرأة حقوقاً غير متجانسة على حساب الرجل ما بدأ ينعكس على التوازن الاجتماعي والديموغرافي والأخلاقي في الغرب وبما فيه واقع الأسرة والتضامن الاجتماعي بفعل ثقافة الفردانية والتحرر ما نتج عنه الفوضى وعدم الدقة العلمية في كثير من الجوانب النفسية والاجتماعية.

باعتبار أن ظاهرة التحرش في المجتمعات الشرقية أو الغربية ليست دافعاً أخلاقياً واقتصادياً فقط بل هي دافع نفسي وثقافي قام الحراك النسوي بتعزيزه وتمكينه من خلال الدفع بالمرأة نحو مفاهيم مشوهة وغير دقيقة وعلمية باعتبار أن الكائن البشري لم يعد في عصر الليبرالية يولد مقيّداً بأغلال موقعه الاجتماعي، بل يولد حرّاً ويستخدم ملكاته والفرص المتاحة لتحقيق المصير الذي يفضّله، وذلك من خلال تجاوز كل الثوابت وسقوط كل الكليات بهدف تصدير الرؤية الإنسانية المتمركزة حول الإنسان وأنانيته… غير أن هذه العلوم والمفاهيم القاصرة التي تسوقها الحركات النسوية، أخفقت كثيراً من خلال استخدام مفهوم الجندر لتحديد الاختلافات بين الرجل والمرأة على أسس معرفية غير دقيقة وغير علمية تقوم على أن المساواة بين الجنسين تتمثل بحرية اختيار النوع الجنسي الذي نريد تحت عناوين الحريات المطلقة والحق في اختيار الهوية الاجتماعية وغيرها من المفاهيم القاصرة التي أنتجت سلوكاً أسهم في انحلال المجتمع أخلاقياً وقيمياً، وتم تشويه العلاقات الاجتماعية الأسرية، بشكل أن كل شيء أصبح مباحاً ومستباحاً تحت عناوين فضفاضة تسمّى بالحريات والانفتاح. مع العلم أن ظاهرة التحرش الجنسي، تأتي بفعل هذه الثقافة الدعائية والسوقنة وتشييئ الإنسان وتسليعه وبخاصة واقع المرأة المتلازم للاباحية والجنس باعتبار أن التحرر الجنسي هو شكل من أشكال التحضّر والانفتاح. في حين أن هذا السلوك هو تعبير همجي يفتقر الى المعيار وأسهم في جعل المرأة فريسة سهلة بل ضحية الرجل وضحية التحرر والمغالاة في الانفتاح. ما أوقع المرأة في دوّامة عدم اليقين والعدمية والتشتت وعدم الاستقرار بدليل ارتفاع نسبة العنف والتحرش والاغتصاب لان كل شيء أصبح مستباحاً ومخروقاً أمنياً. كما أن الخصوصية لم تعد متوفرة وكل شيء يحتكم للانكشاف بفعل تقدّم وسائل الاتصال والتواصل الرقمي الجديد.

وتعود أسباب هذا العنف إلى تأثيرات الإعلام الجديد وثقافة الصورة بحيث إن الواقع أثبت أن كلما تقدمنا في العلم زاد العالم عنفاً وهمجية وبؤساً. وهذا ما تعيشه الإنسانية اليوم. كما أن المفاهيم مثل التحرش وسفاح القربى والجنسانية والمثلية وكل ما يعتري قضايا النوع البشري والجنس الاجتماعي أصبحت موضع تصدير ثقافة راديكالية وايديولوجية تحول دون البحث في قضايا المرأة بحثاً علمياً عميقاً بقدر تصدير استنتاجات ذات خلفية ترتبط بردة الفعل النسوي على المجتمع والمؤسسات التربوية والدينية وغيرها بهدف التساوي مع الرجل لاعتبارات شخصية دون النظر في طبيعة الموضوع من وجهة نظر المرأة ككيان مستقل ومختلف عن الرجل له وظيفة نفسية وبيولوجية وأخلاقية وعقلية واجتماعية تخالف وتتميز به من الرجل.

إن هذا الشذوذ في السعي الى تحرير المرأة من مكبوتات اللاءات والتجريم والتحريم العرفي والثقافي، أدى الى انحسار وانسحاب الصراع نحو مظالم جديدة من العنف بحق المرأة. وذلك بانتقال الصراع من كونه في المجال الحقوقي والقانوني والمساواة بين الجنسين، إلى الصراع الطبقي في العلاقات الجنسية. إن هدم هذا النسق الأخلاقي تحت عناوين الحداثة والعلمانية، جعل الإنسان يغرق في أتون الماديات والأهواء الغرائزية ويعيش من أجل تكييف جسده دون الارتقاء بالقيمة المعنوية والاخلاقية وذلك من خلال تعزيز ثقافة الفردانية وحب الذات والأنانية. ما جعل الانسان أسير سجونه وهوسه وأمراضه المركزية المتلازمة. حيث يقول فيلسوف هذه النزعة هبرت ماركيوز (1898-1979م)، الذي جعل من أسس نظريته النقدية، مجالاً للتأكيد على انعتاق الغرائز الجنسية، وإطلاق الحرية الجنسية بلا حدود، سواء من ناحية، تمجيد حرية الشذوذ، باعتباره ثورة وتمرداً ضد القمع الجنسي، وضد مؤسسات القمع الجنسي معتبراً أن التحرر الجنسي عنصر مكمّل ومترافق لعملية التحرر الاجتماعي ورافضاً ربط الجنس بالتناسل والإنجاب. وقد أدرك الغرب أن هذه النزعة باتت تدفع باتجاهات التغيير الديموغرافي كما هي الحال في الولايات المتحدة على اثر صعود أزمة المهاجرين واليمين المتطرف والمطالبة بمنع وتجريم الإجهاض لدوافع سياسية وثقافية وديموغرافية.

بالختام، المطلوب تحقيق الوعي والتحضر والانفتاح من خلال تمكين المرأة اقتصادياً وتفكيك ثقافة الجهل ونزع الثالوث المقدس عن المفاهيم التي يشوبها الكبت والعرض والشرف بشكل متزن وعلمي ولا تشوبها مفاهيم تطرح تناقضات واعتبارات ايديولوجية وراديكالية تسهم في تحريف وتشويه المسار والأهداف الأساسية، بهدف تطوير واقع المرأة وليس واقع الرجل لان ما يجري من حراك نسوي يهدف الى تعزيز واقع الرجل على حساب المرأة. الأمر الذي نتج عنه، ارتفاع وتيرة العنف على كافة المستويات الفكرية والاجتماعية المتمثلة في إشكالية الأم العزباء والعنوسة والتحرش الجنسي والعنف ضد المرأة وعدم الالتزام وتفكيك الاسرة والانحلال الاخلاقي وتبرير سلوكيات شاذة تحت عناوين التحرر والتقدمية. وجعل الإجهاض وجهة نظر وجعل الحرية غير المسؤولة هي المعيار الذي مأسس لنوازع جديدة مثل الانتحار واليأس والعنف غير المسبوق وعورات أكثر جرماً وإيلاماً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *